الكتاب الأخضر

رغم إني ليبية الجنسية، إلا إني لم أقرأ هذا الكتاب إلا البارحة، والحمدلله على قيام الثورة والتي بفضلها ساكتب وأنا داخل ليبيا هذه المراجعة بكل حريّة.
يعني أقصد بالرغم من أن أحساسي طيل وقت قراءتي للنسخة الإلكترونية للكتاب إني أبدو هكذا :D
ولكن يبدو أن من قيّم الكتاب نجمة واحده ورآه كتاب كوميدي مثير للضحك لم يقرأه بالفعل إنما سمع فقط عنه .. أو ربما قرأه فقط لأجل الإنتقاد الساخر متاجهلاً الكثير من أجزاءه، أو قرأ بعض الإقتباسات التي رآها مضحكه وعليها بنى مراجعة الكتاب .. على أي حال ذلك لم يثر حيرتي .. إنما ما اثار حيرتي بالفعل بعد إتطلاعي عن المراجعات هو أن من قيم نجمة واحدة أغلبهم العرب، بينما من قيّم الخمس نجوم أو اربعة هم غير العرب.
هل البيئة لها دور أساسي في التقييم الكتب من هذا الصنف؟
هل كان السبب للإختلاف الكبير بين التقييم هو سمعة الكتاب و سمعة كاتبه في الوطن العربي إعلامياً؟
أم السبب هو عدم التصديق المفرط من قِبل العرب حتى أنهم لا يؤمنوا أننا من الممكن أن نصنع نظام حكم يضاهي النظام الغربي؟
ما رأيته من أختلاف كبير في التقييم أثار عجبي .. فما رأيت من معظم العرب إلا السخرية والضحك .. وما رأيت من الأجانب إلا الدراسة والنقد الجاد .. فربما من بين الغرب نفسهم سيولد نظام حكم مقارب لهذا .. فقط حينها سيلقى الإعجاب المبالغ فيه من العرب الذين سخروا منه.
الكتاب الأخضر والذي أصبح مع الوقت، رمزاً من رموز الجماهيرية والذي بمجرد إندلاع الثورة قاموا بتحطيم كل المجسمات التي لها علاقة به، بالرغم إن جماهيرية القذافي العسكرية كانت بعيدةً جداُ عن أفكار هذا الكتاب، فما قرأته في الكتاب الأخضر من الصعب جداً أن يُطبق على أرض الواقع... و بالأخص في بيئة قبلية يعم فيها الجهل والفقر... بينما كنت أقرأ شعرت وكأنما القذافي كان يكتب هذه الأفكار بينما هو يحلم، لتطبق على أرض أحلام، أرض يحترم فيها المواطن، يسود فيها العدل، والحرية، والكرامة، والديمقراطية وقبل كل شيء المساواة.. بينما في الواقع، كانت الجماهيرية على العكس، لا عدل فيها، ولا كرامة، ولا ديمقراطية ولا مساواة، وقبل كل شيء لا حرية.
كان الكتاب الأخضر منهج يُدّرس في المدارس والجامعات في ليبيا ابان حكم القذافي، بالرغم أن الكتاب نفسه يقول أن لا يحق لأحد أن يفرض على أحد منهج تعليمي، بدأت ومنذ صغري في الصف الرابع الإبتدائي أدرس عن المؤتمرات الشعبية واللجان و غيرها، وكيف انسى وبعض الجمل بقت راسخة في عقلي حتى الآن كونها تقابل عيناي على اسوار المدارس كلما خرجت من المنزل، بالرغم إني لم أحب يوماً تلك المادة، ولكن لم أحصل يوماً على أقل من الدرجة النهائية فيها لكونها سهلة إلى درجة التفاهة رأيتها غير مفيدة طيلة فترة دراستي حتى قامت الثورة..
خلال قراءتي للكتاب الاخضر حاولت قدر الإمكان أن لا أربط بين الجماهيرية الليبية السابقة وبين الكتاب الأخضر لكونهما لا يتشابهان .. حاولت أن أقوم بقراءة الكتاب بشكل محايد جداً بغض النظر عن كل شيء .. ولكن قراءة هذا الكتاب بالذات ككتاب غريب صعب .. هاجمني حزن رهيب لم يغادرني حتى اخر صفحة .. يا الله، كل هذه الكلمات أعتدت على دراستها سنوات ما قبل الثورة.. لم أحن إلى هذه الكلمات ولم أحن إلى صاحبها، ولكن أحن جداً إلى سنوات ما قبل الثورة. وكل ذكرياتي الجميلة البسيطة جداً. بغض النظر عن ظلم القيادة فيها.. و قبل معرفتي اشياء كثيرة.
أما من ناحية علاقة الصادق النيهوم بالكتاب حيث ثمة شائعات ترددت منذ عقدين وأكثر بين الكثير من الليبيين حول إن كان للنيهوم علاقة أو مساهمة في كتابة الكتاب الأخضر وما علاقة الصادق النيهوم به. والبعض أجزم بالفعل إن الكتاب الأخضر كله من تأليف وصياغة الصادق النيهوم. وثمة من يقول أن النيهوم قام فقط بالإطلاع على مسودة الكتاب الأخضر ووضع عليها بعض الملاحظات من ناحية الفكرة أو من ناحية الصياغة.. وآخر من ينفي أية علاقة للنيهوم بل وأي علم له بنية معمر القذافي في إصدار الكتاب الأخضر.
ما يحيّر الكثير ومنهم أنا هو أن الكتاب الأخضر ظهر فجأة، لم يكن قبلها معمر القذافي فيلسوف أو حتى كاتب، لم يقدم مقدمات للكتاب الأخضر أو كتابات أو دراسات أو اي مقالات تثبت خبرته السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية، لم يظهَر لنا قبلها إلا قصص قصيرة عادية لتليها فجأة نظرية تتحدى الأنظمة الغربية. ونظام حكم جديد مما فاجئ به الكتّاب الأدباء والمفكرين. حيث ظهوره كـ مفكر لم يكن تدريجي إنما كان مفاجئ. فزادت الشكوك حوله وحول صديقه المقرّب السابق المفكر الصادق النيهوم.
وأنا عن نفسي، قرأت معظم كتب (رفيقي الروحي) الصادق النيهوم، و أعرف جيداً نبرته في الكتابة وأسلوبه المميز .. فبدأت قراءة الكتاب على ثقة إني سأعرف بنفسي إن كانت للنيهوم لمسة في الكتاب أم لا.. و ما عرفته خلال قراءتي للكتاب الأخضر وجدته لا يمتاز بالتقارب الفكري نحو فكر النيهوم إلى تلك الدرجة التي يثير الشكوك.. ولكن قد يكون النيهوم ساهم في صياغة الكتاب.
إنتقاداتي حول أفكار الكتاب:
أولاً: حول الفصل الأول: الركن السياسي
بداية صوّر القذافي ديكتاتورية الأنظمة الديمقراطية الغربية، في التحدث عن باقي الأصوات المهمشة التي لا دور لها في مجلس النواب.. وأن الديمقراطية الحديثة هي ليست حكم بالشعب كما تُعرف، بل حكم جزء من الشعب، والشعب لا يتجزأ. هي فكرة منطقية. ومن ناحية أخرى. الأصوات غير المهمشة أيضاً لم تكن مباشرة تحكم، فالشعب كله لم يكن بالفعل هو من يصوّت، فكان هناك من ينوب عنه، يتصرف ويصوّت نيابة عنه في مجلس النوّاب.. هكذا يُلغى مصطلح الحكم الشعبي في الديمقراطية، و تبقى الديمقراطية نوع من أنواع الديكتاتورية.
والأحزاب بأنها هي أداة حكم ديكتاتورية ، لا تفرق عن حكم القبيلة للشعب، أو حكم جزء للكل.. ولا ديمقراطية بدون مؤتمرات شعبية.
ثم أوضح القذافي في الركن الأول، فكرة "سلطة الشعب" أي الحل في نظام الحكم الجماهيري عبر المؤتمرات الشعبية الأساسية، أي صنع دوائر المؤتمرات الشعبية الأساسية كحلقة أساسية. ومنها صنع الأمانات، و منها صنع المؤتمرات الشعبية غير الأساسية، ومنها تكوين اللجان التنفيذية حيث يشارك كل فرد في المجتمع في العملية التصعيدية. وما أعجبني في هذا النظام هو إحترام صوت الفرد به مهما كان التعداد السكاني كبير، قد يتشابه كثيراً مع نظام الإدارة الذاتية اليوغسلافية.
كفكرة، فكرة الحكم الجماهيري عبر المؤتمرات الشعبية فكرة ناجحة، وقد تضاهي الديمقراطية التقليدية، لكن (فقط) إن تم تطبقيها بصورة واقعية في دولة لا تحكم فيها القبلية، الطبقية، الحزبية، الطائفية .. ألخ.لكن تطبيقها في ليبيا أو بعض الدول الغربية أو في الدول العربية بصفة عامة، سيكون تطبيق فاشل، ولن تطبق نصياً بالشكل الصحيح كما ذُكرت في الكتاب.
ثانياً: حول الفصل الثاني: الركن الإقتصادي
رؤية القذافي في أن حل الطبقية والرأسمالية الإستغالالية هي الإشتراكية ذاتها .. حيث لا غالب ولا مغلوب .. لا سيد ولا مسيود .. ولا أجير ولا مؤجر .. فالكل سواسية .. أنا أؤمن كما القذافي بأن الأجراء .. مهما تحسنت أجورهم .. هم نوع من العبيد ولابد أن تكن لهم حصة في الإنتاج، وليس أجرة مقابل الإنتاج.
الإشتراكية كفكرة سامية جداً .. وكأهداف إنسانية جداً .. ولكن تطبيقها بالشكل السامي والإنساني صعب إلى درجة تعجيزية .. فليبيا كانت مثال لأمثلة التطبيق الفاشل للدول الإشتراكية .. بالإضافة إلى باقي الدول اليسارية التي تطبق النظام الإشتراكي والتي لم تنجح أية واحده منها سابقاً وحتى الآن..
ما أعجبني في الجزء الإقتصادي هو أنا القذافي ركّز على إنهاء الإستغلال بكل أشكاله وأنواعه، وخاصة في الحاجات .. كمثلاً يسمح لتأجير الحاجات كالبيت و السيارة للأخرين، حيث لا يحق أستغلالها لكونها حق من حقوق المواطن.. تحت نظرية تحرير الحاجات ليتحرر الإنسان
حديثه عن ظاهرة خدم المنازل حيث أنها إحدى الظواهر الإجتامعية التي تلي ظاهرة الرقيق فبالتالي النظرية العالمية الثالثة تحث على الخلاص النهائي من قيود الإستبداد و الإستغلال والهيمنة الإقتصادية بقصد قيام مجتمع إنساني يحترم كل الناس. فيه جميعهم فيه متساوون في السلطة و الثروة و السلاح لكي تنتصر الحرية إنتصار نهائي كامل .. وينتهي الحكم البيروقراطي الإستغلالي..
وأتلاها بوجود الحل لتحرير خدم المنازل من وضعية الرق التي هم فيها .. وهي في أن يكون حل الخدمة المنزلية الضرورية فلا يكون يخدم بأجل أو بدون أجر. وإنما يكون بموظفين قابلين للترقية أثناء أداء وظيفتهم المنزليه و لهم الضمانات الإجتماعية والمادية كأي موظف في خدمة عامة..
ثالثا: الفصل الثالث : الركن الإجتماعي:
بصراحة، هذا الفصل أعجبني جداً، حديثه عقلاني محايد أنسجمت معه، فإن كان هذا الكتاب كله من كتابة معمر القذافي، فأنا أرى إن الركن الإجتماعي، هو أكثر ركن نجح في الحديث عنه. رأيت في حديثه يرمز لفكرة التكامل، حيث كل عنصر قد يكمل الآخر في دوره الطبيعي. والمرأة يجب أن تكون أشغالها رقيقة تليق بها ككائن ضعيف. و أن لا تعامل مثل الرجل في العمل، كما يعمل الغرب.
اؤيده في حديثه عن الأسرة والقبيلة والأمة. زفكرة أن لابد من الطفل أن تربيه أمه، لا يوضع في الحضانة كالدجاج. وأوافق معه جداً حيث حضن أمه هو المكان الطبيعي، و لابد لها أن تعدل بين عملها وبين واجباتها نحو طفلها، وأنا لا تهمله في سبيل العمل..
ولكن أعارضة في نقطة واحدة، في حديثه عن الفنون عندما قال أن "الشعوب لا تنسجم إلا مع فنونها وتراثها" لكوني انا شخصياً أنسجمت مع كل الفنون المختلفة التي اعرفها.
الفصل السياسي ثلاث نجوم.
الفصل الإقتصادي أربع نجوم.
الفصل الإجتماعي أربع نجوم.
التقييم 3 نجوم كمتوسط تقييمات الفصول.
إقتباسات أعجبتني من الكتاب الأخضر:
"فالأسرة بالنسبة للإنسان الفرد أهم من الدولة.. الإنسانية تعرف الفرد الإنسان و الفرد الإنسان السوي يعرف الأسرة .. و الأسرة هي مهده ومنشؤه ومظلته الإجتماعية. طبيعياً الإنسانية الفرد و الأسرة و ليست الدولة، الإنسانية لا تعرف ما يسمى بالدولة. الدولة نظام سياسي و أقتصادي أصطناعي و أحياناً عسكري لا علاقة للإنسانية به.. "
" القومية في عالم الإنسان والحيوان مثل الجاذبية في عالم الجماد و الأجرام فلو تحطمت جاذبية الشمس لتطايرت غازاتها وفقدت وحدتها، و وحدتها هي اساس بقاءها، إذن البقاء أساسة عامل وحدة الشي"
" إن الاستغناء عن دور المرأة الطبيعي في الامومة، أي تحل دول الحضانة محل الأم، هو بداية الإستغناء عن المجتمع الإنساني و تحويله إلى مجتمع بيولوجي وإلى حياة صناعية "
أجمل ما قال القذافي دفاعاً عن المرأة :
"إن كل المجتمعات تنظر إلى المرأة الآن كسلعة ليس إلا .. الشرق ينظر إليها بإعتبارها متاعاً قابلاً للبيع و الشراء، والغرب ينظر إليها بإعتبارها ليست أنثى"
• كنت قبل الثورة الليبية أمتلك نسخة ورقية في خزانتي أنوي قراءتها .. لم اهتم بها كثيراً وأضعتها مع الوقت -قبل الثورة-.. لم اكن اعرف إن يوماً ما سيكون الكتاب الأخضر ضمن الكتب الممنوعة محلياً.. لو كنت أعرف لأحتفظت به لكوني أحب الأحتفاظ بالكتب النادرة.