الحديث عن المرأة والديانات

ممتع إلى أبعد حد! ببساطة يوضح النيهوم كيف نظرت الأديان الإبراهيمية الثلاثة إلى المرأة استناداً إلى الكتب المقدسة كونها هي المرجع الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في هذا الجانب التاريخي والديني. ربما الكتاب افتقد قليلاً الحيادية كونه كان "دفاعاً" بالدرجة الأولى عن القرآن من تلك التهم المتلاحقة من الغرب ضد اضطهاد الإسلام للمرأة كان توضيحي بالدرجة الأولى أن القرآن يختلف تماماً عن تفاسيره! واكثر ما اعجبني في الكتاب، هو أن النيهوم لا يمتلك قناعات ويحاول بشكل ما إقناعنا بأفكاره، ولكن –مثل القارئ – يحاول خلال كتابه الوصول إلى الحقيقة، ولا يعرف ابداً إلى أي نتيجة سيصل في النهاية..
تطرقت الدراسات إلى مواضيع مختلفة تخص المرأة، واستمتعت جداً بالمقارنة اختلاف قصص حواء اليهودية، والمسيحية، والمسلمة.
قرأت الاجزاء التي تخص حواء اكثر من مرة، وبقيت أتساءل، هل ألم الولادة بالفعل عقاب إلهي؟ هل يصدقون المسيحيين واليهود العامة ذلك؟ عند قراءة نصوص التوراة التي تضمنها الكتاب تنص أن حواء تعد هي المذنبة الوحيدة في نزولها مع زوجها إلى الأرض، وتدفع بآلام ولادتها ثمن ذنبها في حث آدم على أخذ تفاحة شجرة الحياة.. في الديانة اليهودية حواء مدانة وذكر ذلك مرات عدة في نصوص صريحة جداً .. وبأنها اقل مرتبة من الرجل وهي تابعة لإرادته اي انها مخلوق غير متكامل في ذاته إلا لشرط خضوعه لهذه الإرادة.." سأضاعف آلامك و أحزانك مضاعفة كبيرة، و ستلدين الأطفال بالآلام وحدها، وستكون حياتك خاضعة لمشيئة زوجك، و سوف يظل زوجك حاكماً عليك" النص يبين بشكل صريح إن آلام الولادة هي عقاب إلهي للمرأة وان مرتبتها هبطت لتكون خاضعة للزوج وفي المسيحية، في الإنجيل لم تكن حواء هي المدانة الوحيدة ولكن أكد ما ذكر في التوراة عن كون آلام الولادة كونها عقاب إلهي ((تكثيراً اكثر اتعاب حبلك، بالوجع تلدي أولاداً. وإلي رجلك يكون اشتياقك. وهو يسود عليك )) تكوين 3 : 16، اما في القرآن فلم يذكر القرآن انها مدانة في أي اية في نص صريح كما سبق.
لكل منهم آراءه حول هذه الحكاية، ولكني أعتقد كون الله خلق الإنسان غير معصوم عن الاخطاء ويعلم -مسبقاً- إنهما سيقربان الشجرة و حدث ذلك بإرادته، فلا ارى من الحكمة أبداً ان يعذبهما الله هم و الاجيال التي تليهم ثمن هذا الخطأ بآلام الولادة أو غيره، فالجنة منذ البداية لم تكن لبني آدم. والله يعلم ذلك.
في الحديث النجاسة التي اختلفت قليلاً الاديان الإبراهيمية الثلاثة في اعتبار المرأة غير متطهرة في فترة حيضها ونفاسها، بنسب متفرقة.. حيث من المتوقع ان الديانة اليهودية كانت أكثرهن تطرف في افتراضها تنجس كل ما تجلس أو تنام عليه ككلب أو اكثر نجاسة من الكلب. فلا ارى ان من المعقول اعتبار الانسان إثما إذا تعرّض لفترة الحيض الطبيعية، ام في القرآن فذكر الله " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ" .. فلم يوحي الله بأن المرأة كائن نجس والإبعاد عنها كراهية في نجاستها إنما حرصاً حيث معاشرتهن في حيضهن فيه اذى لهم ولهن.. والدليل بأن التطهر هو بالنية و يصح حتى بالتيمم إن لم يوجد الماء.
اما عن الأمور الحياتية عند التطرق إلى شروط النذر في التوراة وربط قبوله بموافقة الرجل هو دليل واضح على عدم ثقة (رجال الدين) في المرأة وعقلها باعتبار انها لا تعرف حدود قدرتها، وانها عرضة لاتخاذ خطوات عاطفية متهورة الا اذا قام الرجل لإحكام مراقبة هذه الخطوات .وهذه القوانين تحمي الرجال بالدرجة الأولى و ميراثهم ولا تحمي احد سواهم. أقصد التناقض الصريح بين الكتب الثلاثة في هذه الأمور ما هو إلا اشارة على تحريف قد حدث بصورة مؤكدة.
ثم أن الميراث فهو دليل واضح إن القوانين العنصرية التي في التوراة لا علاقة للسماء بها مطلقاً، ففيها الميراث لأبناء الله –اليهود- الحقول الخصبة، "وانه باركهم و حرّم عليهم الامتزاج بالأجناس البربرية الأخرى" و قد تفرغ ذلك السفر –وهو ستة و ستون إصحاح- لتوزيع الأراضي بين اليهود فقط. و المرأة لأنها مدانة بالخطيئة الكبرى فقد استبعدت نهائياً من الميراث بشكل عنصري بشع.. إلا في حالة عدم وجود أخ لهن فتقسم بالتساوي على الإناث، أي ببساطة أما تقسم على الأبناء الذكور فقط، أم على الإناث فقط. وحاول التوراة ايضاً بشكل مقزز الحفاظ على الميراث بحثّ المرأة بالزواج الاقرب من أبناء عمومتها، اي لا خيار آخر لها للزواج باختيارها. فليس مسموحاً انتقال الميراث خارج قبائل الشعب المختار! كيف لعقل أن يستوعب ان تلك القوانين هي من الله.
فربما في القرآن وهذه نقطة إيجابية أخرى له – ليس انحيازاً – ولكنه الدين السماوي الأول الذي نادى بتقاسم الإرث بين الذكور والإناث معاً حيث أن حتى الكنيسة اقتبست النظام من التوراة، وبالإضافة إلى ان القرآن لم ينسى حصة الوالدين أيضاً في الميراث .. بحصص غير متساوية، ولكنها هكذا نادت "العدالة السماوية" فمن المعروف ان المساواة ليست عدالة، والعدالة ليست مساواة.. و في رأيي ان الذكر بطبيعته، كمثل بقية الحيوانات كلها، له الحاجة بالميراث (الجانب الاقتصادي) أكثر من الأنثى. كونه هو من يتولى الجانب الاقتصادي "توفير المسكن-القوت".
اما من ناحية الطلاق، فأذهلني اعتبار التوراة المرأة أقل من الكلب، يستطيع زوجها بورقة ان يطلقها ولا حق لها في الاولاد ولا في البيت ولا اي شيء. ولا يبدو إن تلك القوانين في التوراة تنص على اي عدالة سماوية بين الزوجين، بل لحرمان المرأة –كمدانة- من أبسط حقوقها في الحياة وهو الاستقرار.
اما في الإنجيل: فقد انتبه إلى الورطة التي سقط اليهود فيها وحاول إنقاذ نفسه بتحريم الطلاق بشكل مطلق حتى القرن الخامس عشر، مما جعل أمر الزواج معقداً جداً وصعباً، فلزم على الزوج و الزوجة ان يكملا حياتهما معاً حتى اذا كان وضعهما لا يطاق..
أما في القرآن: فقد احل الله الانفصال في حال عدم توصل أي من الطرفان على اتفاق، أو كما يذكره الفقهاء "بحل عقد النكاح!" واختلفوا في التفاصيل التافهة بينهم.
فاختلاف نظريات الكتب واضح حيث نظرية التوراة المتطرفة اعتبرت المرأة ملكاً خاصاً بالرجل يستطيع طردها متى يشاء، ونص الإنجيل الذي يذهب إلى النهاية الأخرى ربط الزوجين ربطاً لا فكاك منه تحت أية ظروف، وأحل القرآن الطلاق وجعله حلاً نهائياً امام الزوجين. فقد يبين كل اختلاف هو اصلاح لأخطاء الحلول السابقة، حيث حاول الانجيل صنع الاستقرار للمرأة وحرّم تطليقها مهما حصل، وعندما واجهوا مشاكل لاحقاً في هذا الحل، اُحل الطلاق كحل نهائي وهو اكثر الحلول منطقية.
في النهاية عند ذكر حكاية تعدد الزوجات .. فأعتقد أن النقاش في هذا الموضوع اصبحاً مملاً مع الوقت، وجدال غير مجدي بالمرة مع اصحاب الهوى، ومهما حاولت إيضاح نقطة مهمة التي حاول تجاهلها رجال الدين مئات السنين، وهو نفي في بقية الآية إيجاز تعدد الزوجات بشكل "متعمد" كون الشرط الذي وضعه الله في تعدد الزوجات يستحال تطبيقه وذكر الله ذلك بنفسه وفي ذات الآية. لأن العدالة –في العاطفة خاصة- يصعب على الذات البشرية تطبيقها ولو حرصت على ذلك. "ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" فما الذي يرغب الرجل في سماعه من الله أكثر ليتأكد من أن تعدد الزوجات أمر غير محبذ بالمرة عند الله. كونه يخالف الطبيعة الانسانية بالأساس. أما إذا تحجج عن ذكر التعدد في حد ذاته فقد كان طبقاً لطبيعة الثقافة آنذاك حيث كانوا يتزوجون عشرة أو أكثر، فكانت رسالة الله لينة تحاول إيعاد الإنسان إلى طبيعة مساره الحقيقي.
ثم نهاية في الحديث عن الرجل والمرأة، ففكرة المساواة بين الرجل والمرأة فكرة غير منطقية وربما ظالمة للمرأة قليلاً، ولا أختلف في ما ذكره النيهوم عن اختلاف الاهداف والوظائف و تناقضها مع تطبيق فكرة المساواة بين الرجل و المرأة، ولكن أرى ان يجب ان يكون هناك مجال وحرية للمرأة في اختيار وظائفها الخاصة وتحديد أهدافها دون أن يصنع لها المجتمع ممر ضيق لا ابواب مفتوحة فيه بالمرة. فمن المعروف هو أن طبيعة كل الحيوانات – عدا بعض انواع من الاسماك- تقسم وظائفها طبق جنسها حيث أن الأنثى هي لها الولادة والرعاية، و يستلم الذكر هو الإدارة الاقتصادية .. وذلك الامر ليس له علاقة بالدين اساساً بل بالطبيعة وقبل وجود الأديان بالمرة.
ماذا الآن؟ بالنسبة لذكر لجلوس النساء مع الرجال على مقاعد الدراسة، ومحاولة المساواة و دراسة ذات المناهج التي اعطيت للرجل، لا ارى عيباً فيها اختلافاً مع النيهوم في هذه النقطة، ولكن اعتقد إلغاء حصص الدين في الغرب مع الوقت كون الانجيل اصبح من الكتب الرجعية لا مكان له بين العلم والتطور، فأرى انهم قد تناسوا مطلقاً الجانب الأخلاقي للدين وهو الغرض الاساسي من الدين في الاصل، فحدث افتقار كبير في الاخلاق مع الإحصائيات المرعبة التي ذكرت في تلك الفترة –القرن الماضي- التي تدل على الانحدار نحو الاتجاه الخاطئ فيجب ان يحدث توازن بين العلم والأخلاق.. ان الحال الذي وصلوا إليه مقزز جداً، ولكن هذا لا يعني أن البلدان التي تكون فيها المرأة العربية المسجونة داخل ذلك المنزل هي أفضل حالاً، فلا اعتقد ان هنا تجوز المقارنة، فكل منهم سيء بطريقة خاصة.
في النهاية أكرر أن الكتاب ليس محاولة إقناع أكثر من كونه يعطي معلومات و يكشف حقائق ربما الكثير لا يعلم عنها، الكتاب هو محاولة للوصول إلى حلول عن طريق عرض المشاكل التي تعرضت إليها المرأة كمرحلة أولى نحو الحل. انصح الجميع بالاطلاع عليه، لاختصاره ودسامة معلوماته، تقييمي للكتاب 5 نجوم.
في الختام، أرى ان المرأة يجب أن تتحرر قليلاً، أن يكون لها الحرية في اختيار مسار حياتها والتركيز على الجانب التثقيفي.. فاختيارها أن تصبح عاهرة لا مانع له حتى وإن تغطت بكل عباءات الدنيا.. إذا الحل يكمن في التركيز على الثقافة والاخلاق في التعليم بدلاً من دراسة نصاب زكاة الإبل ومقدار الزكاة الواجبة فيها، أقصد التخلي عن النفاق الوهابي و محاولة معاصرة العالم قليلاً مع التمسك بالأخلاق ذاتها وليس بغشاء البكارة فقط!
فرجال الدين الشرقيين لا يختلفون عن الأحبار و القسس المتعطشين إلى السيطرة، فكلهم جميعاً صنعوا ديناً اخر لا يقارب الاديان السماوية في شيء، فلا مجال لاتهام النصوص السماوية بالظلم!