"كيف ينام الجلاد ؟! هل تزوره الكوابيس ؟"
*(وائل ع. الفتاح)الوحشية والتعذيب في محتوى الرواية صعب جداً تصديق واقعيته أو حتى تصوره، لا يوجد ثمة إنسان يستطيع مشاهدته فكيف استطاع الجلادون الاستمتاع بعملهم؟ أي مرض هذا الذي جردهم من كامل إنسانيتهم؟ كيف كانت طفولتهم وما كانت احلامهم؟ أي اضطهاد سلب منهم انسانيتهم؟ اي عنف عاشوه ليصنع منهم آلات تعذيب تنقذ الأوامر دون رحمة؟
ثاني قراءة لي من ادب السجون، ولأني لا افضل هذا الصنف كانت علاقتي مع الرواية منذ الحصول عليها حتى إكمالها علاقة مرهقة جداً.. بدت لي رؤيتها من خلال نافذة مظلمة صغيرة لسجين سياسي داخل اكثر السجون وحشية رواية مرعبة، ركزت جداً على جعل حفلات التعذيب هي الاحداث الرئيسية لها، و وصف الأدوات والإحداث بأدق تفاصيلها التي تجبرك أن تصنع صور من أهوال مالا عين رأت، كانت تلك التفاصيل هي محور الرواية .. وكأن غاية الرواية هي توثيق لما كان يحدث داخل سجن تدمر الصحراوي.
طوال قراءتي للرواية بقيت أتساءل كيف لجسد أن يتحمل هذا المستوى من الألم؟ أي روح تلك التي لها طاقة لكل هذا العذاب؟ أي إنسان هذا الذي له القدرة ان يصمد امام هذا الجحيم؟
اثار عجبي أن يصمد إنسان أمام هؤلاء الوحوش وكل هذا العذاب وهو يعرف جيداً إن كل ما قد يخلّصه هو إدلاء بعض المعلومات والأسماء .. اثار عجبي إصرار أياد على الصمود سبعة عشر عام من العيش في جهنم على الأرض ليخرج من هناك حياة دون ان يجن.. وقدرته بعدها على ذكر تفاصيل تفننهم من كل ناحية في تعذيبه وتفاصيل قتل زملاءه الأسرى تحت التعذيب، و آخاه أحمد والاشخاص الذي لم يعرفهم الذين قد تجاوزوا 700 قتيل .. أي نوع من الصمود هذا؟
كيف يستطيع المرء أن يصمد بين هؤلاء الوحوش؟ كيف يحتال على الزمن ليجعله يدور عكس عقارب الساعة، يأخذ نفسه إلى ذكريات الماضي الملتصقة بالفؤاد كي لا يعد مع الجلادين سياطهم، أن يمتنع عن الأكل قبل التحقيق بساعات أو يوم حتى يسهل عليه الإغماء والهروب من تلك الشياطين في وقت اقرب، يمارس حيل فيدور الزمن به إلى مالا نهاية.
أكثر ما ألمني في الرواية هو ذلك الأمل .. مؤلم جداً حين يأتي الأمل في قلب ذاك الإنسان الضعيف الذي حياته على كف عدوه المستعبد.

تلك الغرف باتت فارغة، الأسرى غادروا.. منهم من مات هنا، ومنهم من جن، ومنهم من نجى .. والسجانون فرّوا...
حزنت بعد معرفتي تفجير سجن تدمر الصحراوي من قبل (تنظيم الدولة الإسلامية للعراق والشام) شهر ماي الماضي، كان ليبقى شاهداً على تلك الحقبة الدموية، على تلك الجرائم السرية، على وحشية وحيونة السجّانين التي تركوا اثارها خلفهم لتدل على أساليب التعذيب التي تمارس داخل تلك أقبية.. كان ليبقى معلم، ولتبقى أدواتهم معلقة كما هي، تروي قصص من المعاناة والعذاب، تروي حقائق بقت سرية لعقود.. إن المرء في مقدوره أن يتعرى من كل مشاعره الإنسانية والأخلاق.
من المؤلم جداً استيعاب إن صرخات الأسرى التي انعكس صداها داخل ذلك السجن هي موجودة فعلاً في ذات العالم الذي نعيشه ولكن نحن لا نسمع شيء .. والمحزن جداً إن الأسرى المُعذَبين مقيدون في السجون ينتظرون الموت أو الحياة، والجلّادين المعذّبِين هم طلقاء يمارسون حياتهم بكل حرية بيننا .. والمخزي جداً، إن سجن تدمر ليس الوحيد، إنما الوحيد الذي تحرر لتولد لنا هذه الرواية من بين آلاف الروايات من رحمه.. كما ولدوا (تنظيم الدولة الإسلامية) بالضبط من ذات الرحم، فالعنف لا يولد إلا العنف.. ولن يعيش العالم أبداً في سلام، ولن تنتصر ابداً الإنسانية على الظلم.
"يا إله السماء : كم ناديتك لكي لا تتركني مع الوحوش ثم لم يكن للوحوش الوالغى في دمي أي ارعواء !!
يإله السماء السابعة : كم ناجيتك لكي تبقي على ما تبقى من كينونتي التي انتزعوها من تحت جلدي ثم تركتهم يستمرون في انتزاعي مني حتى لم اعد أنا ... أنا !!!
أي حكمة تتجلى لي لكي اعيها عنك يا رب و السباع تغل في دمي و لا تكف عن شربي حتى اخر قطرة من روحي !!
يا رب السدرة : حكمتك ، فإني لم يعد مني شيء استبقيه ليوم الفهم الاكبر !!
يا رب المنتهى : لو كان المنتهى أن انتهي قبل أن اروي عن القادمين من الكوكب الاخر لضاعت الحكمة اذا و لاختفى التجلي و لامحي الفهم !!
يا رب الوحوش و الكائنات الغريبة و المخلوقات التي لا تشبه البشر في أي شيء : ساعدني لكي اقول ما ينبغي قوله !! ساعدني لكي انجح في قتل الخوف الذي شرش في اعماقي على مدى سبعة عشر عاما !! ساعدني لكي تكف السياط التي لازلت اتخيلها – بعد كل هذا العمر – تصطفق داخل رأسي صبح مساء و لا تني عن نهش حلاياي و الفتك بعظامي !! "أعجبتني جداً الرواية من الناحية الأدبية، جذبني أسلوب الكاتب أيمن المعتوب حيث مزج اسلوبه الشعري في الرواية مع الاسلوب الواقعي التفصيلي فأضفى إليها جمال وعظمة.. رغم الحوارات الفارغة المتضمّن معظمها عبارات نابية والتي اعتقد المعتوب تعمد جعلها فارغة وعامية وسوقية لتكون مقاربة للواقع.